الرئيسية
الكتابة على اللوح (11 ــــــ 23)
عبد الحفيظ خضر بادي
تعقب مرحلة تَعلُّم الحوار لكتابة الحروف المنفصلة بصورة جيدة ونطق أصواتها بدقة ووضوح مرحلة أخرى وهو تركيب الكلمات, أي كتابة الحروف متصلة في كلمة واحدة, لأن الأصل في الحروف أن تتصل مع بعضها لتُكوِّن كلمة, ثم تتصل الكلمات مع بعضها لتُكوِّن جملة, وتتصل الجمل مع بعضها لتُكوِّن فقرة وتتصل الفقرات لتُكوِّن موضوعاً ومقالةً.
في هذه المرحلة وهي مرحلة ربط الحروف ووصلها مع بعضها, يتعلم الحُوار كتابة الحرف في مواضع مختلفة, في أول الكلمة وفي وسطها وفي آخرها, حيث يتغير شكل الحرف ورسمه الكتابي في كل موضع من هذه المواضع. فإذا نظرنا مثلا لحرف الباء, نجده يكتب منفصلاً بهذه الشكل "ب" وعندما يكتب في أول الكلمة نجده بهذا الشكل "بــ" كما في كلمة "بــقرة", وفي وسط الكلمة يكتب بهذا الشكل "ــبـ" كما في كلمة "نـبـيل", أما في آخر الكلمة فيكتب حرف الباء بطريقتين متصلاً كما في كلمة "عنب" ومنفصلاً كما في كلمة "كتاب". ثم تتابع هذه الدروس لتغطي كل حروف اللغة العربية.
يجب على الحُوار المبتدئ صغيراً كان في سنه أو كبيراً أن يتقن هذه الدروس, بل يتفنن في إتقانها بالكتابة المستمرة والتدريب المتصل, لأنها وسيلته لتحقيق غايته حفظ القرآن الكريم. وكنا ندرسها ونتدرب عليها أثناء الكتابة على الرمل, كما ذكرت سابقاً, قبل الكتابة على اللوح, وقد لا تستغرق هذه الدروس وقتا طويلا, ولكنها تعتمد على ذكاء الحُوار وفطنته ورغبته في السير للأمام, كما يعتمد إتقانها على مداومة النظر في المصحف ومتابعة رسم الكلمات. خاصة وأن الكتابة في الخلوة لا تعتمد على الرسم الإملائي, إنما تعتمد أيضاً على معرفة الرسم العثماني الذي كُتب به المصحف, وينحصر هذا الفرق في رسم بعض الكلمات والتي غالباً ما يكون رسمها محفوظاً للحيران وقراءتها سهلة من خلال حركات المدود الصغيرة التي تتخلل الكلمات.
وفي هذه المرحلة يتعرف الحوار على اللوح, وعملية تجهيز العمارة من سكن صاج العواسة (الطانجي) والقلم, والذي يصنعه الطلاب بأنفسهم من القصب والتبس والبوص, ويبرونه بمهارة وحذق يتفاوت فيها الحيران كثيراً, ففي بعض الأحيان تجد القلم معداً بصورة جميلة تشوقك للكتابة به وفي أحايين أخرى تجده يؤدي غرض الكتابة كما يتفق. وسنتناول أدوات الكتابة ووسائلها في الصفحات القادمة بتفصيل دقيق وواضح.
وقبل الكتابة على اللوح إن كان اللوح جديدا أو مستخدماً قبل ذلك, يجب غسله في مكان معد لذلك نسميه المِحَاية, وهو حوض صغير يغسل فيه الطلاب ألواحهم جيدا من العمارة السوداء, ثم يطلون اللوح بالحجر الجيري الأبيض, وهو نوع خاص من الجير متماسك وقوي يكون في قطع صغيرة ومتوسطة الحجم, وفي بعض الأحيان يطلونه بالطباشير الأبيض ليكون أكثر بياضاً وصفاءً , ثم يضعونه في الشمس لفترة قصيرة ليجف من الماء, ويزيلون عنه رواسب الجير ونتوءاته البارزة بمسحه بأيديهم, ثم يسطرونه لتكون الكتابة عليه في خطوط مستقيمة.
أما عملية تسطير اللوح فتحتاج إلى مهارة عالية جدا من الحُوار, حيث يتم التسطير بنواة البلح, فيُمسك الحُوار لوحه جيدا, ثم يبدأ برسم خطوط مستقيمة بيده بعرض اللوح, ولا تستخدم المسطرة في الخلاوي, فيجب على الحوار أن يرسم الخط الأول مستقيما بعرض اللوح ثم يواصل في تسطير لوحه كله, مع المحافظة على استقامة الخطوط, والمحافظة على أن تكون المسافة بين الخطوط متساوية, وعادة ما يلجأ الحيران الجدد للحيران القدامى في عملية التسطير.
ولقد سُمِّي رسم المصحف بالعثماني نسبة للخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه ففي عهده نُسخ المصحف ووزع على الأمصار, روى الإمام البخاري (أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان, وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق, فأفزع حذيفة اختلافهم في القرآن, فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى, فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصُحف ننسخها في المصاحف, ثم نردها إليك, فأرسلت بها إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام؛ فنسخوها في المصاحف, وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش, فإنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا ...) ثم وضع نقط الإعجام ونقط الشكل لاحقاً. ونقط الإعجام هو نقط الحروف, كما في الحروف التالية: ب ت ث ج خ ذ ز ش ض غ ف ق ن ي. أما نقط الشكل فهي نقاط تدل على علامة الإعراب مثل الفتحة والكسرة والضمة والسكون, ثم علامات الإقلاب والإدغام والإخفاء.
ومن أمثلة الرسم العثماني في القرآن الكريم مقارنة بالرسم الإملائي الكلمات التالية: يسئَلونك = يسالونك .. النبيِّن = النبيِّين .. يُحْىِ = يحيي .. الصلوة = الصلاة .. الزكوة = الزكاة .. ءاتوا = آتوا .. الربَو = الربا .. إسراءي= إسرائيل .. ربانيِّن = ربانيين .. الّذانِ = اللذان .. يليتني = ياليتني .. جزَؤا = جزاء .. الغاوُن = الغاوون .. الملؤُا = الملأ .. الَّيل = الليل .. مشكوة = مشكاة .. شركاءىَ =شركائي .. ءاياتي = آياتي .. القرءان = القرآن .. بئسما = بئس ما .. لكيلا = لكي لا .. رحمت = رحمة .. نعمت = نعمة.
عبد الحفيظ خضر محمد بادي
قرية الحميراب
عبد الحفيظ خضر بادي
تعقب مرحلة تَعلُّم الحوار لكتابة الحروف المنفصلة بصورة جيدة ونطق أصواتها بدقة ووضوح مرحلة أخرى وهو تركيب الكلمات, أي كتابة الحروف متصلة في كلمة واحدة, لأن الأصل في الحروف أن تتصل مع بعضها لتُكوِّن كلمة, ثم تتصل الكلمات مع بعضها لتُكوِّن جملة, وتتصل الجمل مع بعضها لتُكوِّن فقرة وتتصل الفقرات لتُكوِّن موضوعاً ومقالةً.
في هذه المرحلة وهي مرحلة ربط الحروف ووصلها مع بعضها, يتعلم الحُوار كتابة الحرف في مواضع مختلفة, في أول الكلمة وفي وسطها وفي آخرها, حيث يتغير شكل الحرف ورسمه الكتابي في كل موضع من هذه المواضع. فإذا نظرنا مثلا لحرف الباء, نجده يكتب منفصلاً بهذه الشكل "ب" وعندما يكتب في أول الكلمة نجده بهذا الشكل "بــ" كما في كلمة "بــقرة", وفي وسط الكلمة يكتب بهذا الشكل "ــبـ" كما في كلمة "نـبـيل", أما في آخر الكلمة فيكتب حرف الباء بطريقتين متصلاً كما في كلمة "عنب" ومنفصلاً كما في كلمة "كتاب". ثم تتابع هذه الدروس لتغطي كل حروف اللغة العربية.
يجب على الحُوار المبتدئ صغيراً كان في سنه أو كبيراً أن يتقن هذه الدروس, بل يتفنن في إتقانها بالكتابة المستمرة والتدريب المتصل, لأنها وسيلته لتحقيق غايته حفظ القرآن الكريم. وكنا ندرسها ونتدرب عليها أثناء الكتابة على الرمل, كما ذكرت سابقاً, قبل الكتابة على اللوح, وقد لا تستغرق هذه الدروس وقتا طويلا, ولكنها تعتمد على ذكاء الحُوار وفطنته ورغبته في السير للأمام, كما يعتمد إتقانها على مداومة النظر في المصحف ومتابعة رسم الكلمات. خاصة وأن الكتابة في الخلوة لا تعتمد على الرسم الإملائي, إنما تعتمد أيضاً على معرفة الرسم العثماني الذي كُتب به المصحف, وينحصر هذا الفرق في رسم بعض الكلمات والتي غالباً ما يكون رسمها محفوظاً للحيران وقراءتها سهلة من خلال حركات المدود الصغيرة التي تتخلل الكلمات.
وفي هذه المرحلة يتعرف الحوار على اللوح, وعملية تجهيز العمارة من سكن صاج العواسة (الطانجي) والقلم, والذي يصنعه الطلاب بأنفسهم من القصب والتبس والبوص, ويبرونه بمهارة وحذق يتفاوت فيها الحيران كثيراً, ففي بعض الأحيان تجد القلم معداً بصورة جميلة تشوقك للكتابة به وفي أحايين أخرى تجده يؤدي غرض الكتابة كما يتفق. وسنتناول أدوات الكتابة ووسائلها في الصفحات القادمة بتفصيل دقيق وواضح.
وقبل الكتابة على اللوح إن كان اللوح جديدا أو مستخدماً قبل ذلك, يجب غسله في مكان معد لذلك نسميه المِحَاية, وهو حوض صغير يغسل فيه الطلاب ألواحهم جيدا من العمارة السوداء, ثم يطلون اللوح بالحجر الجيري الأبيض, وهو نوع خاص من الجير متماسك وقوي يكون في قطع صغيرة ومتوسطة الحجم, وفي بعض الأحيان يطلونه بالطباشير الأبيض ليكون أكثر بياضاً وصفاءً , ثم يضعونه في الشمس لفترة قصيرة ليجف من الماء, ويزيلون عنه رواسب الجير ونتوءاته البارزة بمسحه بأيديهم, ثم يسطرونه لتكون الكتابة عليه في خطوط مستقيمة.
أما عملية تسطير اللوح فتحتاج إلى مهارة عالية جدا من الحُوار, حيث يتم التسطير بنواة البلح, فيُمسك الحُوار لوحه جيدا, ثم يبدأ برسم خطوط مستقيمة بيده بعرض اللوح, ولا تستخدم المسطرة في الخلاوي, فيجب على الحوار أن يرسم الخط الأول مستقيما بعرض اللوح ثم يواصل في تسطير لوحه كله, مع المحافظة على استقامة الخطوط, والمحافظة على أن تكون المسافة بين الخطوط متساوية, وعادة ما يلجأ الحيران الجدد للحيران القدامى في عملية التسطير.
ولقد سُمِّي رسم المصحف بالعثماني نسبة للخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه ففي عهده نُسخ المصحف ووزع على الأمصار, روى الإمام البخاري (أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان, وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق, فأفزع حذيفة اختلافهم في القرآن, فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى, فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصُحف ننسخها في المصاحف, ثم نردها إليك, فأرسلت بها إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام؛ فنسخوها في المصاحف, وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش, فإنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا ...) ثم وضع نقط الإعجام ونقط الشكل لاحقاً. ونقط الإعجام هو نقط الحروف, كما في الحروف التالية: ب ت ث ج خ ذ ز ش ض غ ف ق ن ي. أما نقط الشكل فهي نقاط تدل على علامة الإعراب مثل الفتحة والكسرة والضمة والسكون, ثم علامات الإقلاب والإدغام والإخفاء.
ومن أمثلة الرسم العثماني في القرآن الكريم مقارنة بالرسم الإملائي الكلمات التالية: يسئَلونك = يسالونك .. النبيِّن = النبيِّين .. يُحْىِ = يحيي .. الصلوة = الصلاة .. الزكوة = الزكاة .. ءاتوا = آتوا .. الربَو = الربا .. إسراءي= إسرائيل .. ربانيِّن = ربانيين .. الّذانِ = اللذان .. يليتني = ياليتني .. جزَؤا = جزاء .. الغاوُن = الغاوون .. الملؤُا = الملأ .. الَّيل = الليل .. مشكوة = مشكاة .. شركاءىَ =شركائي .. ءاياتي = آياتي .. القرءان = القرآن .. بئسما = بئس ما .. لكيلا = لكي لا .. رحمت = رحمة .. نعمت = نعمة.
عبد الحفيظ خضر محمد بادي
قرية الحميراب