الدوام اليومي
عبد الحفيظ خضر بادي
تسير خلوة الشيخ عجلاوي على نظام الدوام اليومي الذي يتكون من فترتين, الفترة الصباحية تبدأ من بعد شرب شاي الصباح بقليل, إذ لم نكن حينها نحدد الوقت بالساعة, ولكنه ما يناسب الساعة السابعة والنصف صباحا, وتستمر هذه الفترة حتى وقت الفطور الساعة العشرة والنصف.
فالطلاب الذين تجاوزوا مرحلة دراسة حروف اللغة وأصواتها يقابلون الشيخ عجلاوي مقابلات فردية منظمة, حيث يكتب لكل حوار يومياً سورة من السور القصار مثل الفاتحة والناس والفلق والإخلاص على ألواحهم بخط كبير وواضح ليتعلم الحيران بعدها طريقة الكتابة على اللوح, ثم يكلف الشيخ واحداً من الحيران القدامى بمتابعة الحوار الجديد وتعليمه طريقة الكتابة على اللوح بحروف صحيحة واضحة الرسم, ويتابعه بالتوجيهات لتحسين خطه, ثم يعلمه طريقة تسطير اللوح ومسحه.
فبعد أن يتهيأ الحوار للكتابة على اللوح, هنا تبدأ مسيرته الحقيقية في حفظ القرآن الكريم, ويكون الحفظ على نظام ألواح متسلسلة متتالية, واللوح هنا لا نعني به اللوح الخشبي إنما نعني به القدر المكتوب من القرآن الكريم على اللوح, ويبدأ الحُوار حفظ القرآن الكريم بالجزء الثلاثين, أو السور القصار فصاعدا, لينشط الحوار على الحفظ ولكي تساعده في صلاته وأذكاره اليومية.
وتعوَّدَ الطلابُ في نهاية الفترة الصباحية أن يجتمعوا جميعاً بكل مستوياتهم التعليمية, في داخل الخلوة ويُنشدوا دعاءً موقَّعاً بأصواتهم الندية:
يا رب تعلمنا تدخل شيخنا في الجنة
يا رب تهدينا تزوِّرْ شيخنا المدينة
ثم ينصرف الحيران إلى بيوتهم لتناول وجبة الفطور وأخذ قسط من الراحة يقضيها الحيران في اللعب واللهو, ويظل الحيران يرددون ذلك النشيد المحبب وهم خارجون من الخلوة وفي بطون أزقة قوزبرة الضيقة إذ يتجاوب معهم الصدى من كل ناحية.
تبدأ الفترة المسائية بعد صلاة الظهر حيث يتناول الحيران وجبة الغداء في وقت مبكر, ثم يسرعون إلى الخلوة. لقد حرصت الخلوة على غرس الاهتمام بالصلاة في نفوس الحيران, لذلك يصلون العصر في الخلوة على بروش السعف ويؤمهم الشيخ عجلاوي, وتنتهي الفترة المسائية قبل مغيب الشمس حتى يصل الحيران لبيوتهم سالمين آمنين.
فالفترة المسائية تمثل مرحلة الانتقال من اللوح القديم الذي حفظه الحوار إلى اللوح الجديد, ولكن لا يتم هذا الانتقال إلا بعد المقابلة الثانية مع الشيخ عجلاوي, حيث يجلس الحوار على الأرض أمام الشيخ وهو على عنقريبه الصغير المفروش ببرش الصلاة الأبيض, ويبدأ الطالب في قراءة لوحه الذي حفظه بصوت عالٍ واضح المخارج, فتكون الكتابة ناحية الشيخ والحوار يستظهر ما حفظ, أي يقرأ من ذهنه, فمتى ما انتهى من القراءة ينصرف بهدوء تام ويأتي الحوار الذي يليه, يجلس في نفس مكان من سبقه ويبدأ في قراءة لوحه. ومن غرائب هذا الموقف وطرائفه أن الشيخ في بعض الأحيان قد يكون مستغرقاً في غفوة خفيفة فيُخيَّل لبعض الطلاب أن الشيخ نائم لا يتابعهم, لذلك يجلسون ويقرأون غير مكترسين ولكنهم سرعان ما يدركون أن الشيخ يتابعهم بدقة واهتمام, فمتى ما أخطأ الحوار في القراءة, ينبهه الشيخ بإصدار صوت ممممممم هذا الصوت للتنبيه ومعناه أعد القراءة مرة ثانية, فيعيد الحوار القراءة فلو أخطأ ثانية يُصدر الشيخ نفس الصوت مممممم ولو تكرر هذا الخطأ عدة مرات سيُعرض الحوار نفسه لعقوبة قد تتمثل في الضرب بالمسبحة, ولو تكرر الخطأ عدة مرات في عدة جلسات وأحس الشيخ بإهمال الحوار وعدم اهتمامه بالحفظ قد يلحق ظهرَه سوط أو سوطان, وقد يركل الشيخ اللوح في وجه الحوار, وكل هذه العقوبات في حسبان الحوار.
وبعد أن يُحيز الشيخُ حفظَ الحوار وإتقانَه لما قرأَ يذهب الحوار مباشرة إلى مكان المحاية, وهو حوض صغير لغسل اللوح ليكتب لوحا جديدا بمعاونة أحد الحيران المتقدمين في الحفظ, وقد يتعرض الحوار القديم للتوبيخ لو شعر الشيخ بتقصيره تجاه الحوار الجديد.
عبد الحفيظ خضر بادي
قرية الحميراب
عبد الحفيظ خضر بادي
تسير خلوة الشيخ عجلاوي على نظام الدوام اليومي الذي يتكون من فترتين, الفترة الصباحية تبدأ من بعد شرب شاي الصباح بقليل, إذ لم نكن حينها نحدد الوقت بالساعة, ولكنه ما يناسب الساعة السابعة والنصف صباحا, وتستمر هذه الفترة حتى وقت الفطور الساعة العشرة والنصف.
فالطلاب الذين تجاوزوا مرحلة دراسة حروف اللغة وأصواتها يقابلون الشيخ عجلاوي مقابلات فردية منظمة, حيث يكتب لكل حوار يومياً سورة من السور القصار مثل الفاتحة والناس والفلق والإخلاص على ألواحهم بخط كبير وواضح ليتعلم الحيران بعدها طريقة الكتابة على اللوح, ثم يكلف الشيخ واحداً من الحيران القدامى بمتابعة الحوار الجديد وتعليمه طريقة الكتابة على اللوح بحروف صحيحة واضحة الرسم, ويتابعه بالتوجيهات لتحسين خطه, ثم يعلمه طريقة تسطير اللوح ومسحه.
فبعد أن يتهيأ الحوار للكتابة على اللوح, هنا تبدأ مسيرته الحقيقية في حفظ القرآن الكريم, ويكون الحفظ على نظام ألواح متسلسلة متتالية, واللوح هنا لا نعني به اللوح الخشبي إنما نعني به القدر المكتوب من القرآن الكريم على اللوح, ويبدأ الحُوار حفظ القرآن الكريم بالجزء الثلاثين, أو السور القصار فصاعدا, لينشط الحوار على الحفظ ولكي تساعده في صلاته وأذكاره اليومية.
وتعوَّدَ الطلابُ في نهاية الفترة الصباحية أن يجتمعوا جميعاً بكل مستوياتهم التعليمية, في داخل الخلوة ويُنشدوا دعاءً موقَّعاً بأصواتهم الندية:
يا رب تعلمنا تدخل شيخنا في الجنة
يا رب تهدينا تزوِّرْ شيخنا المدينة
ثم ينصرف الحيران إلى بيوتهم لتناول وجبة الفطور وأخذ قسط من الراحة يقضيها الحيران في اللعب واللهو, ويظل الحيران يرددون ذلك النشيد المحبب وهم خارجون من الخلوة وفي بطون أزقة قوزبرة الضيقة إذ يتجاوب معهم الصدى من كل ناحية.
تبدأ الفترة المسائية بعد صلاة الظهر حيث يتناول الحيران وجبة الغداء في وقت مبكر, ثم يسرعون إلى الخلوة. لقد حرصت الخلوة على غرس الاهتمام بالصلاة في نفوس الحيران, لذلك يصلون العصر في الخلوة على بروش السعف ويؤمهم الشيخ عجلاوي, وتنتهي الفترة المسائية قبل مغيب الشمس حتى يصل الحيران لبيوتهم سالمين آمنين.
فالفترة المسائية تمثل مرحلة الانتقال من اللوح القديم الذي حفظه الحوار إلى اللوح الجديد, ولكن لا يتم هذا الانتقال إلا بعد المقابلة الثانية مع الشيخ عجلاوي, حيث يجلس الحوار على الأرض أمام الشيخ وهو على عنقريبه الصغير المفروش ببرش الصلاة الأبيض, ويبدأ الطالب في قراءة لوحه الذي حفظه بصوت عالٍ واضح المخارج, فتكون الكتابة ناحية الشيخ والحوار يستظهر ما حفظ, أي يقرأ من ذهنه, فمتى ما انتهى من القراءة ينصرف بهدوء تام ويأتي الحوار الذي يليه, يجلس في نفس مكان من سبقه ويبدأ في قراءة لوحه. ومن غرائب هذا الموقف وطرائفه أن الشيخ في بعض الأحيان قد يكون مستغرقاً في غفوة خفيفة فيُخيَّل لبعض الطلاب أن الشيخ نائم لا يتابعهم, لذلك يجلسون ويقرأون غير مكترسين ولكنهم سرعان ما يدركون أن الشيخ يتابعهم بدقة واهتمام, فمتى ما أخطأ الحوار في القراءة, ينبهه الشيخ بإصدار صوت ممممممم هذا الصوت للتنبيه ومعناه أعد القراءة مرة ثانية, فيعيد الحوار القراءة فلو أخطأ ثانية يُصدر الشيخ نفس الصوت مممممم ولو تكرر هذا الخطأ عدة مرات سيُعرض الحوار نفسه لعقوبة قد تتمثل في الضرب بالمسبحة, ولو تكرر الخطأ عدة مرات في عدة جلسات وأحس الشيخ بإهمال الحوار وعدم اهتمامه بالحفظ قد يلحق ظهرَه سوط أو سوطان, وقد يركل الشيخ اللوح في وجه الحوار, وكل هذه العقوبات في حسبان الحوار.
وبعد أن يُحيز الشيخُ حفظَ الحوار وإتقانَه لما قرأَ يذهب الحوار مباشرة إلى مكان المحاية, وهو حوض صغير لغسل اللوح ليكتب لوحا جديدا بمعاونة أحد الحيران المتقدمين في الحفظ, وقد يتعرض الحوار القديم للتوبيخ لو شعر الشيخ بتقصيره تجاه الحوار الجديد.
عبد الحفيظ خضر بادي
قرية الحميراب