قرانا الوادعة غنية بثروتها اللغوية .. ولكن!!!
عبد الحفيظ خضر بادي ---
هناك قضايا مهمة وقريبة منا بل تمثل جزءاً من وجودنا وتتشكل أفكارنا ورؤانا في ثناياها لذلك لا تراها النُّهى وتحس بها العواطف لأنها تتجسد من خلالها, فالقضية التي شغلتني بصوت عالٍ, وتشغل الآخرين في صمت هي قضية اللهجة العامية التي نتحدث بها في قرانا الحبيبة. لقد ظلت هذه اللهجة العامية هي وسيلة الاتصال بين الناس في كل أغراض حياتهم منذ فترة طويلة من الزمان وما تزال. بل في عصرنا الحديث أصبحت تمثل أداة التعليم ووسيلته في مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية, ولا أظن أن مُدرِّساً يدرس اليوم طلابه باللغة العربية الفصحى في السودان عامة وفي قرانا خاصة. ولا يظنن القارئ الكريم أن هذا المقال دعوة للتدريس باللغة العامية, فالكاتب لا ينبشُ في رُفات تلك الدعوات التي ظهرت ونشطت في أواسط القرن الماضي ثم تلاشت, لكنني أصف واقعا حيّاً قائما؛ أحببته كثيراًً وأحنُّ له وأطرب لسماعه. أتحدث عن لهجة حية تعيش بيننا ونتواصل بأصواتها وكلماتها وتراكيبها. ونود أن نقدم لها شيئاً ونخدمها بالقليل كما خدمتنا في حياتنا السابقة كلها, وأن نتحول بهذه اللهجة العريقة من طور الاتصال الشفهيِّ "الشفويِّ" الفطري إلى طور الدراسات العلمية المنهجية, وذلك بأن نقدمها لأنفسنا وللآخرين كقضية من القضايا البحثية الجاذبة. نود أن نكون من الرواد في هذا المجال وأن ننال قصب السبق على الآخرين. لقد سبقنا الأستاذ الدكتور عون الشريف قاسم –رحمه الله- بتصنيف كتابه القيِّم المفيد (قاموس اللهجة العامية في السودان) لكن تظل معاني الكلمات العامية تحتاج للمزيد من المشاركة من أفراد المجتمع لتوضيح معانيها, خاصة وأن الكلمات العامية تحتفظ بدلالتها المعجمية الأصلية ثم تكتسب بجانب ذلك ظلالاً معنوية من البيئات التي تستخدمها فتكون إشعاعاتها الدلالية مختلفة باختلاف الأفراد وثقافتهم وإبداعاتهم. وفي كثير من الأحيان يداخلني إحساسٌ عميق وصادق أن الكلمات العامية أكثر ثراءً في معانيها من الكلمات المعجمية, فالكلمة العامية تمتح دلالاتها الأدبية من الواقع الحي من المجتمع الذي تعيش فيه, وقد تعمق هذا الإحساس في نفسي بعد أن تناولت القصيدة الرائعة (قوافل الذكرى) للشاعر المبدع الحسن بخيت المكيابي بالنقد والتحليل, والتي يقول في مطلعها: (قوافل الذكرى لمّا تطوف سهول الخاطر المطروق تشد ترحل قبل ما تطيب خواطرنا ونبل الشوق تفوتنا ونحن عطشانين تيبّس في عروقنا عروق نصايح ليها كان تسمع وحلو الأيام أكان يرجع تطيب بينا ودمينا تروق سواقي الذكريات سايقات يرون بى جداول الريد شتيلات حبنا المصدوق ويكبرن الشتيلات ديك .. وبى عطر الزهور يشفن تباريح الغرام البيك ويبردن الحشا المحروق ولمان ليلي نجمو يصن وأعاين لى هوايلو صباح تلوليني الهموم وارتاحْ .. مع ذكرة بلدنا الزين وكت نسّام بلدنا يسوق وأخلف ساقي فوق هم الأيام الجاية وأدّرّق من المجهول أنا المخنوق تجيني قوافل الذكرى وتشيلني تشيلني لى بلداً بعيد بلحيل مسافتو تقتر السنبرْ وأصنقر تبْ وأقشْ عيني بعد ما أفوق واتلفّت وأشوف لا فوق أشوف متلي القمر مشتاق مسافر في تلايت الليل .. يحن للرملة ديك للنيل يقول لى وين نضوقلنا راحة كان بنضوقْ( وأرجو أن يجد تحليل هذه القصيدة ونقدها مكانا له على صفحات مقاود رغم اتساعه وتعدد صفحاته. وقد يقول قائل إن اللهجة التي نتواصل بها ليست حكراً على قرانا إنما هي لغة معظم أهالي شمال السودان! نقول له نعم, لكن تظل لقرانا أصوات لغوية خاصة وكلمات وتراكيب تميزها عن غيرها وذلك ما أعنيه وأقصده. لقد أصبحت دراسة اللهجات في عالمنا الحديث جزءاً من علم اللغة واللسانيات الحديثة في كليات اللغات. وحتى نهيئ أنفسنا لمثل هذه الدراسات التقابلية والتحليلية والوصفية لابد أن يكون لنا معجم لغوي وثقافي مقروء يجمع مفرداتنا اللغوية, ويوضح سماتنا اللغوية والصوتية, وقد نتفق في السمات الصوتية مع غيرنا لكننا نتميز عنهم من خلال النبر والتنغيم وذلك ما يسميه علماء اللسانيات بالأصوات التركيبية والأصوات فوق التركيبية. بجانب ذلك فإن لهجتنا في حاجة لدراسة بنية مفرداتها دراسة صرفية, تكشف لنا أصول أبنية مفرداتنا وصلتها بأبنية اللغة العربية الفصحى. كما نحتاج لدراسات تتصل بالسمات التركيبية للجملة في لهجتنا المحلية. إضافة إلى ذلك نحتاج لدراسات سيميائية واسعة للأعلام والمعالم تتخللها إشارات للرمز والمدلول والتناص. ولعلنا من خلال تلك الدراسات العميقة الجادة نستطيع أن نتعرف على القبائل العربية التي وفدت إلى السودان واتخذت من سهولنا الواسعة مراعٍ لإبلها وأنعامها, من خلال مقارنة السمات اللغوية. فقرانا الوادعة الطيبة تمدنا بكل ما هو جميل, وتمتع ناظرينا بكل ما هو جميل, وتشنف آذاننا بكل ما هو جميل, لكننا في كثير من الأحيان لا نقف عند هذا الجمال بل نتجاوزه دون أن نحس به أو نشعر. في علم اللغة هناك ما يُسمى بمحاكاة أصوات الطبيعة وأن أهل اللغات واللهجات في كثير من الأحيان يستعينون في حديثهم بأصوات تجسد لهم المعاني وتصورها .. فمثلا يقول أهلنا الطيبون: فلان جانا يبرطش بمعنى يمشي بَرطش برطش برطش, والبرطشة هي الصوت الذي تصدره النعال أثناء السير, ولكن هذا الصوت يتناسب مع نوع معين من السير والنعال. وفي تعبير آخر يقولون: جانا فلانْ بَطْ بط بط وهذا الصوت يوحي بنوع من المشي وصوت صادر من نعال معينة. كما يقولون: جانا كِِشِت كِشت كشت وصوت كِشِتْ الخفيف هذا يدل على طريقة سير معينة. وفلان جاء ماشي فَرْ فَر فَر فر وهذا النوع من الأصوات يدل على المشي وصوت الجلباب الطويل. ويقولون المطر صبَّتْ شَوْوووو ويزداد حرف الواو في عدده كلما كانت الأمطار غزيرة. وكذلك يقولون الموية اندفقت بُشششش فالشين حرف انتشار يتنساب مع صوت الماء. ومثل هذه الأصوات كثيرة جدا لكنها لا تجد من يلتفت إليها كظاهرة دلالية مرتبطة بإنسان القرية ولها معاني عميقة في نفسه, كما أنها تكشف طرفاً من أسلوب تعبيره عن انفعالاته. فأرجو أن تجد هذه الأصوات وكل الظواهر اللغوية الأخرى بعد رصدها في المعجم اللغوي الثقافي دراسة جادة من خلال المناهج الحديثة الوصفية والتحليلية والمقارنة والتفابلية. ومما يحفزني لمثل هذه الأفكار أن الكليات الجامعية أصبحت قريبة منا وحولنا ولا أستبعد أن يكون لقرانا نصيبٌ منها, ولكن لابد أن نسبق كل هذه الآمال القريبة بتوفير المادة العلمية التي تحفز الباحثين والمختصين بتناولها بالدراسة والبحث. فأرجو من اللجان الفكرية والثقافية والاجتماعية أن تشرع في دراسة موضوع المعجم اللغوي والثقافي لأن التأخر والتفكير الطويل لم يعد في مصلحتنا, خاصة وأن لهجتنا اليوم تمر بمرحلة تغيير سريع يكاد يكون ملموساً أكثر مما كان عليه في العقود السابقة؛ وذلك بسبب التواصل المباشر خارج الحيز المكاني المحدود من خلال وسائل الاتصال الحديثة. وما يدركه الكثير من القراء أن قرانا الحبيبة ثرية وغنية بإنتاجها الإبداعي من شعر ودوبيت وطنبور ومدائح نبوية وأغاني شعبية وأحاجي تراثية, ومُلًح وطرائف, إذ إنها تتكئ على رصيد لغوي تراثي وفير وضخم, ولكن ما نخشاه جميعا أن ينحصر ذلك الرصيد التراثي في خطاب الآباء والأجيال المتقدمة ثم يتلاشى وينحسر تماما, مفسحاً المجال للهجات أخرى هجين وافدة من خارج حيزنا المكاني. كما أن المعجم اللغوي والثقافي الذي أنادي به سيضم في طياته الكثير من المعلومات الثقافية المحلية, بجانب وصف المعالم التي اندثرت والمعالم الحديثة. وأرجو أن يتزامن ذلك المعجم اللغوي مع مركز لجمع المعلومات وتوثيقها. وبالله التوفيق.
عبد الحفيظ خضر بادي
عبد الحفيظ خضر بادي ---
هناك قضايا مهمة وقريبة منا بل تمثل جزءاً من وجودنا وتتشكل أفكارنا ورؤانا في ثناياها لذلك لا تراها النُّهى وتحس بها العواطف لأنها تتجسد من خلالها, فالقضية التي شغلتني بصوت عالٍ, وتشغل الآخرين في صمت هي قضية اللهجة العامية التي نتحدث بها في قرانا الحبيبة. لقد ظلت هذه اللهجة العامية هي وسيلة الاتصال بين الناس في كل أغراض حياتهم منذ فترة طويلة من الزمان وما تزال. بل في عصرنا الحديث أصبحت تمثل أداة التعليم ووسيلته في مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية, ولا أظن أن مُدرِّساً يدرس اليوم طلابه باللغة العربية الفصحى في السودان عامة وفي قرانا خاصة. ولا يظنن القارئ الكريم أن هذا المقال دعوة للتدريس باللغة العامية, فالكاتب لا ينبشُ في رُفات تلك الدعوات التي ظهرت ونشطت في أواسط القرن الماضي ثم تلاشت, لكنني أصف واقعا حيّاً قائما؛ أحببته كثيراًً وأحنُّ له وأطرب لسماعه. أتحدث عن لهجة حية تعيش بيننا ونتواصل بأصواتها وكلماتها وتراكيبها. ونود أن نقدم لها شيئاً ونخدمها بالقليل كما خدمتنا في حياتنا السابقة كلها, وأن نتحول بهذه اللهجة العريقة من طور الاتصال الشفهيِّ "الشفويِّ" الفطري إلى طور الدراسات العلمية المنهجية, وذلك بأن نقدمها لأنفسنا وللآخرين كقضية من القضايا البحثية الجاذبة. نود أن نكون من الرواد في هذا المجال وأن ننال قصب السبق على الآخرين. لقد سبقنا الأستاذ الدكتور عون الشريف قاسم –رحمه الله- بتصنيف كتابه القيِّم المفيد (قاموس اللهجة العامية في السودان) لكن تظل معاني الكلمات العامية تحتاج للمزيد من المشاركة من أفراد المجتمع لتوضيح معانيها, خاصة وأن الكلمات العامية تحتفظ بدلالتها المعجمية الأصلية ثم تكتسب بجانب ذلك ظلالاً معنوية من البيئات التي تستخدمها فتكون إشعاعاتها الدلالية مختلفة باختلاف الأفراد وثقافتهم وإبداعاتهم. وفي كثير من الأحيان يداخلني إحساسٌ عميق وصادق أن الكلمات العامية أكثر ثراءً في معانيها من الكلمات المعجمية, فالكلمة العامية تمتح دلالاتها الأدبية من الواقع الحي من المجتمع الذي تعيش فيه, وقد تعمق هذا الإحساس في نفسي بعد أن تناولت القصيدة الرائعة (قوافل الذكرى) للشاعر المبدع الحسن بخيت المكيابي بالنقد والتحليل, والتي يقول في مطلعها: (قوافل الذكرى لمّا تطوف سهول الخاطر المطروق تشد ترحل قبل ما تطيب خواطرنا ونبل الشوق تفوتنا ونحن عطشانين تيبّس في عروقنا عروق نصايح ليها كان تسمع وحلو الأيام أكان يرجع تطيب بينا ودمينا تروق سواقي الذكريات سايقات يرون بى جداول الريد شتيلات حبنا المصدوق ويكبرن الشتيلات ديك .. وبى عطر الزهور يشفن تباريح الغرام البيك ويبردن الحشا المحروق ولمان ليلي نجمو يصن وأعاين لى هوايلو صباح تلوليني الهموم وارتاحْ .. مع ذكرة بلدنا الزين وكت نسّام بلدنا يسوق وأخلف ساقي فوق هم الأيام الجاية وأدّرّق من المجهول أنا المخنوق تجيني قوافل الذكرى وتشيلني تشيلني لى بلداً بعيد بلحيل مسافتو تقتر السنبرْ وأصنقر تبْ وأقشْ عيني بعد ما أفوق واتلفّت وأشوف لا فوق أشوف متلي القمر مشتاق مسافر في تلايت الليل .. يحن للرملة ديك للنيل يقول لى وين نضوقلنا راحة كان بنضوقْ( وأرجو أن يجد تحليل هذه القصيدة ونقدها مكانا له على صفحات مقاود رغم اتساعه وتعدد صفحاته. وقد يقول قائل إن اللهجة التي نتواصل بها ليست حكراً على قرانا إنما هي لغة معظم أهالي شمال السودان! نقول له نعم, لكن تظل لقرانا أصوات لغوية خاصة وكلمات وتراكيب تميزها عن غيرها وذلك ما أعنيه وأقصده. لقد أصبحت دراسة اللهجات في عالمنا الحديث جزءاً من علم اللغة واللسانيات الحديثة في كليات اللغات. وحتى نهيئ أنفسنا لمثل هذه الدراسات التقابلية والتحليلية والوصفية لابد أن يكون لنا معجم لغوي وثقافي مقروء يجمع مفرداتنا اللغوية, ويوضح سماتنا اللغوية والصوتية, وقد نتفق في السمات الصوتية مع غيرنا لكننا نتميز عنهم من خلال النبر والتنغيم وذلك ما يسميه علماء اللسانيات بالأصوات التركيبية والأصوات فوق التركيبية. بجانب ذلك فإن لهجتنا في حاجة لدراسة بنية مفرداتها دراسة صرفية, تكشف لنا أصول أبنية مفرداتنا وصلتها بأبنية اللغة العربية الفصحى. كما نحتاج لدراسات تتصل بالسمات التركيبية للجملة في لهجتنا المحلية. إضافة إلى ذلك نحتاج لدراسات سيميائية واسعة للأعلام والمعالم تتخللها إشارات للرمز والمدلول والتناص. ولعلنا من خلال تلك الدراسات العميقة الجادة نستطيع أن نتعرف على القبائل العربية التي وفدت إلى السودان واتخذت من سهولنا الواسعة مراعٍ لإبلها وأنعامها, من خلال مقارنة السمات اللغوية. فقرانا الوادعة الطيبة تمدنا بكل ما هو جميل, وتمتع ناظرينا بكل ما هو جميل, وتشنف آذاننا بكل ما هو جميل, لكننا في كثير من الأحيان لا نقف عند هذا الجمال بل نتجاوزه دون أن نحس به أو نشعر. في علم اللغة هناك ما يُسمى بمحاكاة أصوات الطبيعة وأن أهل اللغات واللهجات في كثير من الأحيان يستعينون في حديثهم بأصوات تجسد لهم المعاني وتصورها .. فمثلا يقول أهلنا الطيبون: فلان جانا يبرطش بمعنى يمشي بَرطش برطش برطش, والبرطشة هي الصوت الذي تصدره النعال أثناء السير, ولكن هذا الصوت يتناسب مع نوع معين من السير والنعال. وفي تعبير آخر يقولون: جانا فلانْ بَطْ بط بط وهذا الصوت يوحي بنوع من المشي وصوت صادر من نعال معينة. كما يقولون: جانا كِِشِت كِشت كشت وصوت كِشِتْ الخفيف هذا يدل على طريقة سير معينة. وفلان جاء ماشي فَرْ فَر فَر فر وهذا النوع من الأصوات يدل على المشي وصوت الجلباب الطويل. ويقولون المطر صبَّتْ شَوْوووو ويزداد حرف الواو في عدده كلما كانت الأمطار غزيرة. وكذلك يقولون الموية اندفقت بُشششش فالشين حرف انتشار يتنساب مع صوت الماء. ومثل هذه الأصوات كثيرة جدا لكنها لا تجد من يلتفت إليها كظاهرة دلالية مرتبطة بإنسان القرية ولها معاني عميقة في نفسه, كما أنها تكشف طرفاً من أسلوب تعبيره عن انفعالاته. فأرجو أن تجد هذه الأصوات وكل الظواهر اللغوية الأخرى بعد رصدها في المعجم اللغوي الثقافي دراسة جادة من خلال المناهج الحديثة الوصفية والتحليلية والمقارنة والتفابلية. ومما يحفزني لمثل هذه الأفكار أن الكليات الجامعية أصبحت قريبة منا وحولنا ولا أستبعد أن يكون لقرانا نصيبٌ منها, ولكن لابد أن نسبق كل هذه الآمال القريبة بتوفير المادة العلمية التي تحفز الباحثين والمختصين بتناولها بالدراسة والبحث. فأرجو من اللجان الفكرية والثقافية والاجتماعية أن تشرع في دراسة موضوع المعجم اللغوي والثقافي لأن التأخر والتفكير الطويل لم يعد في مصلحتنا, خاصة وأن لهجتنا اليوم تمر بمرحلة تغيير سريع يكاد يكون ملموساً أكثر مما كان عليه في العقود السابقة؛ وذلك بسبب التواصل المباشر خارج الحيز المكاني المحدود من خلال وسائل الاتصال الحديثة. وما يدركه الكثير من القراء أن قرانا الحبيبة ثرية وغنية بإنتاجها الإبداعي من شعر ودوبيت وطنبور ومدائح نبوية وأغاني شعبية وأحاجي تراثية, ومُلًح وطرائف, إذ إنها تتكئ على رصيد لغوي تراثي وفير وضخم, ولكن ما نخشاه جميعا أن ينحصر ذلك الرصيد التراثي في خطاب الآباء والأجيال المتقدمة ثم يتلاشى وينحسر تماما, مفسحاً المجال للهجات أخرى هجين وافدة من خارج حيزنا المكاني. كما أن المعجم اللغوي والثقافي الذي أنادي به سيضم في طياته الكثير من المعلومات الثقافية المحلية, بجانب وصف المعالم التي اندثرت والمعالم الحديثة. وأرجو أن يتزامن ذلك المعجم اللغوي مع مركز لجمع المعلومات وتوثيقها. وبالله التوفيق.
عبد الحفيظ خضر بادي